
في الثامن عشر من أبريل/نيسان، تمكن الحوثيون في اليمن من إسقاط طائرة أميركية مسيّرة من طراز”إم كيو 9 ريبر”، وهي الطائرة الخامسة التي يُسقطونها منذ بدء الولايات المتحدة حملتها العسكرية الموسعة ضد الجماعة في 15 مارس/آذار الماضي.
وكان الحوثيون قد تمكنوا قبل هذا التاريخ من إسقاط عدد أكبر من هذه الطائرات المسيرة، ليصل الرقم الإجمالي إلى حوالي 20 طائرة مسيرة من نفس الفئة، بحسب إعلان سابق للناطق العسكري باسم الجماعة يحيى سريع، عبر حسابه في موقع إكس.”إم كيو 9 ريبر” هي المسيرة الهجومية الأساسية للقوات الجوية الأميركية، نظرا لقدرتها على التحليق لوقت طويل (نحو 27 ساعة) وعلى ارتفاع أكبر من 15 كيلومترا، وامتلاكها أجهزة الاستشعار واسعة النطاق، ومجموعة اتصالات متعددة الأوضاع، وعددا من الأسلحة الدقيقة، الأمر الذي يعطيها قدرة فريدة على تنفيذ الضربات والتنسيق والاستطلاع ضد أهداف عالية القيمة وحساسة زمنيا.
بدايات متواضعة
قدرات “إم كيو 9 ريبر” تدفعنا لا شك إلى التساؤل عن كيفية نجاح الحوثيين في إسقاطها مع كل تلك التقنيات المتقدمة، وفي هذا السياق يجب علينا فهم قدرات الحوثيين الحالية في نطاق الدفاع الجوي، وكيف أمكن لهم تطوير قدرات الدفاع الجوي ليصبحوا في ستة أعوام مصدر خطر كبير.
بعد سيطرتهم على صنعاء عام 2014 تمكَّن الحوثيون من السيطرة على معظم ما تبقى من ترسانة الجيش اليمني من صواريخ الدفاع الجوي أرض-جو من طراز سام (SAMs) السوفيتية والرادارات المصاحبة لها، وهي صواريخ تُطلَق من الأرض لاعتراض طائرات أو صواريخ العدو وتدميرها.
ولكن تلك الترسانة واجهت عدة مشكلات كبيرة، الأولى كانت أن الكثير من قطعها تالفة أو على الأقل بحاجة إلى الإصلاح، والثانية كانت أنها عموما قديمة وبالتبعية ذات دقة ضعيفة في تحييد التهديدات الجوية، منها مثلا نظام “إس-75” السوفيتي الذي أُنتج عام 1957 ويمكنه ضرب أهداف عالية الارتفاع مع توجيه راديوي من محطة أرضية. قام الحوثيون بتحويل بعض أنظمة “إس-75″ إلى نسخ أرض-أرض بسبب مشكلاتها بوصفها دفاعات جوية، وسُميت النسخة الجديدة المعدَّلة بـ”قاهر 1″ و”قاهر 2”.

امتلك الحوثيون كذلك مجموعة من النسخ المحسَّنة منها مثل “إس-125 نيفا/بيتشورا” التي طوَّرها الاتحاد السوفيتي سنة 1961، وصُمِّمت للتغلب على أوجه القصور في “إس-75″، لكن قدراتها ظلت محدودة.
إلى جانب ذلك، دمرت قوات التحالف العديد من مواقع الدفاع الجوي الثابتة والرادارات والأسلحة الاعتراضية التي يديرها الحوثيون بحلول منتصف 2015، ولذلك فإنه حتى عام 2017 كانت تهديدات الحوثيين في نطاق الدفاع الجوي ضعيفة، وكل ما أُسقط بواسطتها كان بضع طائرات من طراز “إف-16” وأربع مروحيات وست عشرة مسيرة، بحسب الإحصاءات المتاحة.
السيطرة على السماء
أدرك الحوثيون عند تلك النقطة أن قدراتهم العسكرية في ثلاثة نطاقات ستكون المحدد الأساسي للتحول إلى قوة عسكرية ضاربة في جنوبي الجزيرة العربية وعلى ساحل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، النطاق الأول هو القوة الصاروخية (وخاصة مدى الصواريخ)، والثاني هو القوة البحرية (وخاصة القدرة على السيطرة على السفن)، وأخيرا يأتي الدفاع الجوي، لفرض السيطرة على السماء ومنع الضربات الجوية وعمليات الاستطلاع
في البداية لجأ الحوثيون إلى تدابير مبتكرة مثل تحويل صواريخ جو-جو روسية الصنع الباحثة عن الحرارة مثل “إيه إيه-10 ألامو بي” (AA-10 Alamo-B) و”إيه إيه-11″ لتصبح صواريخ أرض جو.
صاروخ “إيه إيه-10 ألامو” تحديدا كان الأكثر استخداما من قِبل الحوثيين، ومنذ عام 2017 مَثَّل خطورة حقيقية وكان السبب في عدد من الضربات القوية للأهداف الجوية، وهو نظام متقدم إلى حدٍّ كبير، مُخصَّص بالأساس للاستخدام على المقاتلات الروسية من الجيل الرابع مثل “ميج-29” و”سوخوي-35″، لكنه مُصمَّم لضرب جميع أنواع الطائرات والمروحيات وصواريخ كروز وأنظمة الطائرات بدون طيار، ويمكنه الاشتباك مع الأهداف المحمولة جوا في أي ظروف جوية خلال النهار والليل.

هيكل الصاروخ أسطواني ويتمتع بأسطح متماثلة المحور تتحكم في ميل الصاروخ وانحرافه بما يعطيه سلاسة خلال الرحلة، مع رأس حربي وزنه 39 كغم يُشغَّل بالقرب من الهدف مع إمكانية التشغيل بالأشعة تحت الحمراء التي يصعب اكتشافها.
رغم ذلك، كانت مشكلات هذا الصاروخ أنه قصير المدى بحد أقصى 40 كيلومترا، لكنَّ الحوثيين استخدموه بذكاء، فبعد تحويله ليصبح سلاح أرض جو للدفاع الجوي، صنعوا منه كمائن متخفية في ثنيات الجبال وعلى أطرافها، ما مكَّنهم من اصطياد الطائرات والمسيرات وصواريخ كروز على مسافات قريبة نسبيا.
صواريخ برق

إلى جانب ذلك، أعلن الحوثيون قبل عدة سنوات عن تطويرهم لـ”برق”، وهو صاروخ دفاع متقدم يأتي في نسختين هما “برق-1” و”برق-2″، ويشبه نظام صواريخ أرض-جو “صياد” الإيراني، الذي يُعَدُّ في حد ذاته تطويرا لنظام “إس-75” السوفيتي سالف الذكر، ولكنه أفضل في نطاقات عدة هي الدقة والمدى وقوة التدمير.
يمتلك “برق-2” رأسا حربيا متشظيا بوزن 200 كيلوغرام، وهو نوع من الرؤوس الحربية المتفجرة المُصمَّمة لإنتاج وإطلاق الشظايا عند الانفجار، وبالتبعية لا يحتاج إلى الاصطدام مباشرة بالهدف الجوي ولكن يمكن فقط للشظايا الناتجة من الصاروخ أن تقوم بإسقاطه. وينطلق الصاروخ من منصة متحركة أو ثابتة يستغرق تحميلها نحو 5 دقائق، ويحلق بسرعة تصل إلى 3600 كيلومتر في الساعة، ويصل مداه إلى مئة كيلومتر.